عن الكنيسة

شاءت العناية الألهية أن تلتقي مجموعة مباركة من أولاد الله فى منطقة أرض الجولف لهم احتياج واحد؛ لهم الروح الواحد و مجتمعين بقلب رجل واحد و على فكرة واحدة .. كانت الفكرة و كان الاحتياج هو بناء كنيسة يتمجد فيها اسم الرب و تحمل اسم القديسة العذراء مريم .. تكون قريبة من منازلهم و فى نفس الوقت تخدم المنطقة بأكملها؛ حيث لم تكن توجد كنيسة واحدة فى منطقة مدينة نصر المترامية الأطراف و التي يتبعها مكان سكناهم.

كان صاحب الفكرة الأول و محتضن أولى اجتماعاتها فى بيته هو الأستاذ / جورج متى بقطر .. و مع صديقه الدكتور / نجيب بطرس، شرعا فى استطلاع إمكانية التنفيذ .. و فى حماس روحى مقدس ، قاما و صلِّيا طالبين المعونة و الإرشاد من الرب يسوع ، و كانت أول جلسة لدراسة هذا المشروع بتاريخ 13 يونيو 1965 م الموافق 5 بشنس 1681 ش ، و ضمت هذين الصديقين ، الذين سجَّلا وقائع هذه الجلسة المباركة فى محضر مكتوب ، و قرَّرا فيها دعوة كل من يشاركهم إلى الانضمام إليها ! فكان أن أنضم اليهما كل من : الأستاذ / كمال محفوظ

و الدكتور / رمسيس كامل ،

و المهندس / يوحنا الراهب ،

و الأستاذ / الفريد أبادير ..

و هكذا تشكلت منهم لجنة كانت بمثابة النواة التي كان عليها أن تبدأ عمل الرب برحلة البحث عن أرض تصلح لبناء كنيسة كبيرة تخدم جيلهم و الأجيال القادمة.

و كان أيضاً لازما عليهم أن يعرضوا فكرهم هذا على قداسة البابا كيرلس السادس رئيس الكنيسة فى ذلك الوقت ، طلباً للإرشاد و المشورة؛ فكان ترحيب قداسته بالفكرة كبيراً، و أعطاهم بركته للبدء بنعمة الله و معونته لتحويل الفكرة الى واقع ، و دعا لهم بالتوفيق ..

و هكذا بدأت هذه اللجنة اجتماعاتها التي كانت تفتتح و تختتم بالصلاة ؛ فكانت النتائج إيجابية جداً و كانت النعمة متكاثرة جداً ! ” فى قلب الانسان أفكار كثيرة ، و لكن مشورة الرب هى تثبت” ( أم 19:21) .

بدأ البحث عن الأرض فى أكثر من اتجاه .. من خلال شركة مصر الجديدة للإسكان و التعمير و بين الأفراد من ملاَّك الأراضي ، و بفكر “الكنيسة الواحدة” بدأ أيضاً التنسيق مع أعضاء لجنتي كنيسة مارمرقس و كنيسة مارجرجس بمصر الجديدة ، انطلاقاً من الحاجة الى وجود كنيسة تخدم المنطقة الواقعة بين مصر الجديدة و مدينة نصر ؛ حتى يقوم العمل الروحي على أساس حياة الشركة التي تربطنا جميعاً.

و قد تقرر أيضاً فى هذه المرحلة توسيع نطاق اللجنة بدعوة أعضاء جدد للاشتراك فى الاجتماعات و العمل ؛ فكان أن انضم اليها كل من : المهندس / جميل رزق الله ،

و المهندس / حليم جندى ،

و المهندس / سيفين عبيد،

و المهندس / ميشيل محروس ،

و الأستاذ / موريس شاكر .

و تم اختيار المهندس / يوحنا الراهب سكرتيراً،

و الأستاذ/ كمال محفوظ أميناً للصندوق ..

و تقرر البدء فى تحصيل اشتراكات لعضوية الكنيسة ابتداء من أول يوليو 1965 م الموافق 24 بشنس 1681 ش ( عيد دخول السيد المسيح أرض مصر) .

و لم يكن العمل قاصراً على الرجال فقط ، بل كان للسيدات دور كبير جداً أيضاً .. إذ بَدَأْنَ فى تكوين لجنة للسيدات و تدبير النشاط الخاص بهنَّ ؛ فكُنَّ فعلاً معيناً و نظيراً للرجال فى إنماء فكرة بناء الكنيسة و تحويلها إلى واقع، و تعريف مسيحيي المنطقة بها، و كان للجنة السيدات هذه دور كبير فى جمع التبرعات و إقامة المعارض لصالح سداد الأقساط فى مراحل المشروع المختلفة.

استئجار شقة صغيرة:

ومثل حبة الخردل ،التي هي أصغر جميع البذور، ولكنها متى نبتت تصير كبيرة تأوي إليها الطيور، كانت هكذا تماماً الشقة الصغيرة التي تم تأجيرها بالدور الأرضي بإحدى العمارات بشارع أحمد تيسير – بنفس الحي – و أطلق عليها اسم “شقة مارمرقس” .. و نمت هذه النبتة الصغيرة .. حيث افتتحت بها فصول مدارس الأحد لأبناء و بنات الشعب المسيحي بالمنطقة،

و كان يشرف عليها المرحوم المهندس/ حليم جندي بصفته أحد أبناء التربية الكنيسة بكنيسة مارمرقس بمصر الجديدة، كما كانت تتم فى هذه الشقة أيضاً جميع الاجتماعات و المناقشات الخاصة بمشروع الكنيسة بعد أن انتقلت هذه الاجتماعات و المناقشات الخاصة بمشروع الكنيسة بعد أن انتقلت هذه الاجتماعات إليها من منزل المرحوم الأستاذ/ جورج متى.

الله يدِّبر شراء أرض:

و جاء أخيراً يوم الأحد المبارك الموافق 30 يناير 1966 حينما اجتمع الجميع للاتفاق مع كل من السيد/ رمزى ميخائيل مشرقى و الأستاذ / إحسان الجيزاوي، مالكي قطعتي الأرض رقم 7 و رقم 8 من المربع 920 مكرر – منطقة أ – تقسيم مصر الجديدة، لشراء هاتين القطعتين منهما؛ و بعد مناقشات ممتدة وافقا على بيعهما بقصد تخصيصهما لبناء كنيسة على أن يتم سداد كامل الثمن لهما فوراً.

صدور قرار جمهوري بالبناء:

و على غير ترتيب من بشر .. جاء وقت تحركت فيه الأوراق .. و تسلم المرحوم المهندس اللواء / جميل رزق الله ترخيص بناء الكنيسة ؛ إذ صدر به قرار جمهوري بتاريخ 4 فبراير 1975 من السيد/ أنور السادات .. ليعمَّ الفرح و يسود الاطمئنان بين الجميع ، إذ بهذا الترخيص تصبح جميع مراحل التنفيذ قانونية ، و يمكن الاستمرار فى العمل و البناء دون أى قلق.

المبنى الأول للكنيسة:

كان الجميع توَّاقين إلى سرعة الصلاة فى مبنى لكنيستهم ؛ فقامت لجنة الكنيسة لهذا الغرض ببناء مبنى صغير مؤقت فى الجزء الشمالي الشرقي من الأرض بطول 14 متراً و عرض 6 أمتار ليتسع لحوالي مائة شخص، و قد تمَّت إقامته خلال بضعة أيام ، و تمت عملية بناء الجدران و السقف على يد مقاول من الأخوة المسلمين، رفض أن يتقاضى أجراً بعد أن أتم العمل : ” لقد قمت ببناء بيت للرب” ..!

وضع حجر الأساس:

و فى 29 مايو 1975 م الموافق 21 بشنس 1691 ش ( تذكار السيدة العذراء مريم ) قام قداسة البابا شنوده الثالث بوضع حجر الأساس لهذه الكنيسة .. و أقيم بهذه المناسبة احتفال كبير فى سرادق اتسع لبضعة آلاف ، و دعا قداسته لهذا الحفل الكثير من الآباء الأساقفة الأحبار و الكهنة الموقرين، كما دعا رسميين يمثلون أجهزة الدولة. و فى صباح اليوم التالي 30 مايو 1975، أقيم أول قداس فى الموقع برئاسة المتنيح الأنبا تيموثاوس الأسقف العام و اشترك فى الصلاة أبونا تادرس البراموسى ( نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية حالياً)، و ذلك فى المبنى المؤقت الصغير الذي تمت إقامته بالأرض.

و طرحت بعد ذلك مناقصة لتنفيذ بناء الكنيسة، فاز بها المهندس/ حسن درة، الذي بدأ بهمة و نشاط بتوجيهات قداسة البابا و إشراف مهندسي مجلس الكنيسة، فحفر الأساسات تاركا الجزء الذي بنيت عليه الكنيسة الصغيرة و ملحقاتها المتواضعة المناسبة.

عمل الرب يتعاظم:

كان القسط الشهري فى المراحل الأولى للبناء 7000 جنية ( سبعة آلاف جنيه) ، و كان الله يدبرها كل شهر فى موعد سدادها ، و لم يحدث أثناء العمل، و لا لمرة واحدة، أن احتاج مشروع الكنيسة للمال ؛ لقد كانت الأرقام المطلوبة تعتبر ضخمة ، خاصة بمقاييس تلك الفترة، و لكن بركة الرب كانت تفيض بغزارة .. حدث مرة أن اقترب موعد سداد أحد الأقساط و لم يكن يوجد ما يكفى لسداده ، و قبل الموعد المحدد كان الأستاذ / جورج متى واقفا أمام باب الكنيسة، فجاء إليه أحد الأشخاص طالبا مقابلة أحد أعضاء مجلس الكنيسة ، و عندما أعلمه الأستاذ/ جورج بأنة هو شخصياً أحد الأعضاء قام هذا الشخص بتسليمه مظروفاً مغلقاً .. و عند فتح هذا المظروف كان بداخله من المال ما يكفى لسداد قيمة القسط المطلوب بالتمام ! .. حقا .. إن ” بركة الرب هي تبني و لا يزيد معها تعبا” ( أم 10:22) .

كانت عطايا الشعب سخية و تبرعاتهم وفيرة جداً، و كان الجميع سعداء برؤية أعمال البناء تتم و تنمو أمام أعينهم ؛ كانت فرصة اختبر فيها الكثيرون بركة العطاء و بركة العشور؛ “هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون فى بيتي طعام و جربوني بهذا قال رب الجنود إن كنت لا أفتح لكم كوى السماوات و أفيض عليكم بركة حتى لا توسع” ( ملاخي 3 :10) .. بل لقد كان البعض عند علمهم بوجود أى عجز مالي يسارعون بسداده من أعوازهم ليستردوه فى أي وقت لاحق .. المهم ألا يحدث تأخير أو توقف فى أعمال المباني بالكنيسة.

و مما يثير التأمل فى كرم عطايا الله و قوة شفاعة القديسة العذراء مريم ما كان يحدث كل شهر فى تلك الفترة؛ حيث كان يتم إلقاء مبلغ من المال لا يقل عن 1000 جنيه بل يزيد فى شرفة منزل المهندس / سيفين عبيد .. و لم يتم التعرف على صاحب هذا التبرع حتى الآن رغم محاولة معرفة شخصيته ! .

 

و مما يثير التأمل أيضا فى عظمة عناية الله و بركة شفاعة القديسة العذراء مريم أم النور ، ما حدث من معجزات أثناء أعمال المباني ، إذ لم ترض شفيعة الكنيسة القديسة العذراء مريم أن يحدث أي مكروه لأي فرد ممن عملوا فى موقع كنيستها ؛ فقد حدث أن سقط أحد المهندسين التابعين للمقاول فى بئر من الآبار الكثيرة المخصصة للأساسات ، إذ تصادف وقوفه على مقربة من أحد هذه الآبار، و عند حركة منه للخلف سقط و اختفى داخل هذا البئر فى لحظات! و أعتقد الجميع أنة قد مات نظراً لعمق البئر الشديد – حوالي 19 متراً – لكن المعجزة كانت فى انتظار الجميع .. فعندما حاولوا معرفة ما حدث له تبين لهم أنة على قيد الحياة ! .. و بعد أن تم انتشاله تبين أن إصابته عبارة عن بعض الكسور البسيطة و التي عولج منها ليعود بعد ذلك إلى موقع العمل سليما معافى !! .. و هكذا تمجَّدَ اسم الرب و ظهرت قوة شفاعة القديسة العذراء مريم أم النور .

أما المعجزة الثانية التي نسجلها هنا ، فقد حدثت عندما كانت أعمال التشطيبات قد بدأت داخل الكنيسة، حيث أقيمت السقالات المعدنية الضخمة اللازمة العمل ؛ و حدث أيضاً أن سقط أحد عمال الكهرباء داخل الهيكل الرئيسي من ارتفاع خمسة أمتار تَقْرِيبًا .. لكن إرادة الله بشفاعة أم النور مريم شاءت أن ينجو هذا العامل أيضاً إذ تمّ إسعافه و علاجه رغم ارتطامه الشديد بالدرج الرخامي للمذبح الرئيسي !..

المبنى الثاني للكنيسة:

فى يونيو1977 كان المقاول قد انتهى من بناء الدور السفلي ( قاعة أم النور الحالية ) ، فانتقلت إليه الكنيسة مؤقتاً لتواجه الازدياد المستمر فى عدد أفراد الشعب.

المرحلة الثالثة و الأخيرة:

و فى 12 يناير 1982 انتقلت خدمة القداسات إلى الكنيسة الرئيسية التي كان قد تم إعدادها للصلاة ، على أن يجرى عمل الديكورات و الأيقونات فى أثناء الاستخدام ، و قد قام المتنيح نيافة الأنبا تيموثاوس، و معه كاهنا الكنيسة القس يوحنا ثابت و القس بيجول باسيلى ، بافتتاح الكنيسة بتوجيهات من قداسة البابا شنوده الثالث و ذلك أيضاً لتغطية الازدياد المستمر فى عدد الشعب .

و جاء يوم 29 مايو 1995 م الموافق 21 بشنس 1711 ش ، حينما قام قداسة البابا شنوده الثالث بتدشين المذابح و شرقيات الهيكل، و أطلق على المذبح الرئيسي اسم “مذبح السيدة العذراء” ، و على المذبح الشمالي اسم “مذبح مارمرقس” ، أما مذبح الكنيسة الصغيرة فهو مذبح ” أبو سيفين و الأنبا أبرآم” .. و قد أبدى قداسته إعجابه بالديكورات و الأيقونات القبطية التي تحتويها الكنيسة .. و كان يوماً تجلَّت فيه عظمة عمل الرب، و امتلأت فيه قلوب الجميع ابتهاجاً و فرحاً .. ” ليبتهج و يفرح بك جميع طالبيك ليقل أبدا محبو خلاصك يتعظم الرب” ( مز40: 16) .

و نحن نشعر حقاً أن الله قد ساند العمل بشفاعة والدة الإله ، مباركا مجهودات الآباء الكهنة و أعضاء المجلس التي تضافرت للعمل معاً بأمانة من أجل هذا العمل الجليل.


 

الكلمة التى ألقاها قداسة البابا شنوده الثالث فى حفل اليوبيل الفضي بالكنيسة

أحب أولاً أن أهنئكم بهذه الكنيسة الجميلة فى كل شئ ، و أحب أن أهنئكم أيضاً باليوبيل الفضي لهذه الكنيسة ، و بالأعمال الجليلة التي تمت فيها خلال الخمسة و العشرين عاماً الماضية ..

أتذكر منذ زمن طويل ، و كنت فى كنيسة مارمرقس بكليوبترا بمصر الجديدة، أن أتاني شخصان يكلمانني بشأن إنشاء كنيسة فى أرض الجولف؛ أتذكر منهما : ميشيل محروس، وحليم جندي ، ثم فيما بعد جورج متى ….. كانت المنطقة خالية فى ذلك الوقت … لكن عندما نرى كل هذا الشعب، الآلاف الحاضرين أمامنا، نشعر أن بناء الكنيسة كان هاماً لاحتضان هذه الآلاف كلها، و لتقديم خدمات واسعة جداً.

أول شئ أريد أن أقوله لكم عن كنيستكم أنها كنيسة نامية ؛ بمعنى أنها باستمرار، من عدم وجود كنيسة أصلاً .. الى كنيسة صغيرة فى الجزء الشمالي الشرقى من الكنيسة .. الى هذه الكنيسة بدوريها السفلي و العلوي ..إلى الاتساع فى المباني التى حولها؛ مبنى السيدة العذراء بطوابقه الثمانية و كل الأنشطة التى يحتويها، و الأنشطة الأخرى الموجودة بأبنية أخرى بعيدة بعض الشيء عن موقع الكنيسة .. و هكذا، نمو بالتدريج فى كل شيء ..

ثم نموّ أيضاً من جهة الكهنوت؛ فبعد أن كانت البطريركية تنتدب لكم أبونا تادرس البراموسي أو أبونا متياس السرياني أو نيافة الأنبا تيموثاوس أو غيرهم، أصبح الآن لديكم أربعة من الآباء الكهنة .. “و عايزين تانى .. حاضر .. هشوف .. على رأى السيدات .. لما يقول لها اطبخي يا ست قالت له جهّز يا سيدي .. فأنتم تجهزوا اللي يترسم و أنا أرسم ” .. هذا النمو من جهة الكهنوت ليس فقط من جهة الآباء الأربعة الموجودين بالكنيسة حالياً، بل هو أيضاً من جهة تصدير الكهنوت الى الخارج؛ بمعنى أنة فى أمريكا و أوروبا و أفريقيا توجد لمسات من كنيسة العذراء بأرض الجولف: أبونا أبرآم فى كنيسة مارمرقس فى جرسي كان أصلاً كاهناً هنا، و أبونا بيجول فى فرانكفورت كان هنا أيضاً، و أبونا يوحنا الذي له خدمة كبيرة جداً فى زامبيا كان أيضاً موجوداً ضمن خدام هذه الكنيسة .. يعنى هي كنيسة نامية من جهة المباني،و كنيسة نامية من جهة كهنتها، و كنيسة نامية من جهة التصدير الى الخارج فى خدمة الكهنوت .. بل حتى فيما يتعلق بالمكرَّسات فى أسقفية الشباب، و الراهبات فى الأديرة، فقد تخرج البعض منهن من هذه الكنيسة كذلك.

أيضاً الكنيسة نامية فى نوع خدمتها؛ و قد سمعتم من الدكتور / ثروت باسيلى و من أبونا يوحنا ثابت قائمة طويلة بأسماء الخدمات التى تقوم بها الكنيسة، و أنا أحب أن أنتقي بعضاً من هذه الخدمات كيما أنوّه بها تنويهاً خاصاً؛ لأن خدمة مدارس الأحد مثلاً موجودة فى كل كنيسة، و خدمة الشباب موجودة فى كل كنيسة، و المكتبات موجودة فى كل كنيسة، و إن كان ذلك بنوع أرقى لديكم: إلاّ أن أهم نقطة أحب أن أذكرها هي خدمة الأمراض المستعصية – وكنت أرجو أن حبيبنا الدكتور / نبيل صبحى يكون معنا فى هذا الاحتفال – و هي خدمة تتميز بها كنيسة العذراء فى أرض الجولف عن كل كنيسة فى القطر المصري، بل وفى الكرازة خارج مصر، و كما قال الدكتور / ثروت باسيلى أيضاً أنه فى البداية يعتقد أن الدكتور / نبيل صبحي يتحدث عن خيال و أوهام ، أو عماّ لا يمكن أن يتم، عندما جرى الحديث بينهما عن هذه الخدمة .. خدمة عجيبة ! .. و أهم ما فى هذه الخدمة : الشفقة والحنان و الإحساس بآلام الناس .. ثم أيضاً ملايين الجنيهات التى تُصرف على هذه الخدمة خلال سنوات .. و من أين تأتي ؟! … ربنا هو الذى يرسل بها!!

خدمة الفقراء أيضاً، و أنا أذكر فى لجنة البرّ التي لدينا، و التي نجتمع فيها كل يوم خميس، أنني كنت أقول لهم : بُقدر ما تصرفون، بقدر ما يرسل ربنا، ..إن ربنا يريد أناساً أمناء حنونين طيبين يعطون للفقراء، فإذا وُجِدَ هذا الصنف من الناس ذوى الأيدي ” المُفْرِطة غير المُمْسِكة ” فإن ربنا يعطى له .. تنفق كثيراً، يرسل لك بالكثير ..

كان معي فى لجنة البر خادمّ وجدتُ أنة طيب جداً فى هذه الخدمة فرُسِم كاهناً، هو أبونا يسطس، و أرسلتُ له فيما بعد قراراً بأن يمسك الخدمة الاجتماعية بالكنيسة. و عندما قال لكم نيافة الأنبا يؤانس أن تدفعوا للفقراء 20% من إيراد الكنيسة ( من الإيراد و ليس من صافى الإيراد …. يعنى من الإيراد كله) و فى الأعياد تكون هذه النسبة 50% فقد قال لي أبونا يسطس : ” إن أول مرة دفعنا فيها 50% للفقراء لم ينقص إيراد الكنيسة بل زاد ” .. لأن الناس يحبون أن تصل نقودهم للفقراء، فعندما وجدوكم تعطون الفقراء .. بدأوا يدفعون كي تصل النقود للفقراء .. ليس كل الناس يريدون أن يدفعوا بالنقود للمباني – و إن كانت لازمة – لكن كثيراً جداً ما يقول الواحد منهم : ” أريد أن أدفع بهذه النقود لربنا ، يعنى أريد أن أدفعها للفقراء” .. و هكذا عندما وجدودكم تنفقون كثيراً على الفقراء ، بدأوا يرسلون لكم الكثير .. كلما صرفنا كثيراً فإن ربنا يرسل لنا أكثر .. و عندما لا نصرف فإن ربنا يقول : ما دامت أيديكم “مُمسِكة” فأنا لا أحب الناس ذوى الأيدي “المُمسِكة”، إنما أحب الناس ذوى الأيدي ” المُفْرِطة ” .. هذه طبيعة ربنا ..

صدقوني .. ربما هذه النقطة هي التي كانت تُتعبِ يهوذا الإسخريوطى : أنه ما أن يمتلئ الصندوق حتى يجد أن السيد المسيح قد أفرغه ، فلا يعود بالصندوق شيئ .. و هكذا تعب يهوذا ! .. و أنا لا أقول هذا الكلام الآن و أنا في موضع مسئولية ، بل إني منذ زمن طويل عندما كنت علمانيا قبل أن أترهبن ، و كنت رئيس تحرير مجلة “مدارس الأحد” ، أتذكر أنني كتبت مقالاً افتتاحياً عنوانه : ” شيطان الرصيد ” .. يعنى طالما نريد أن نزيد الرصيد .. أو كلما اعتقدت جمعية أو كنيسة أنها ناجحة لأن رصيدها قد زاد و زاد ؛ فإن هذا هو “شيطان الرصيد” .. يعنى طالما نريد أن نزيد الرصيد .. أو كلما اعتقدت جمعية أو كنيسة أنها ناجحة لأن رصيدها قد زاد و زاد ؛ فإن هذا هو “شيطان الرصيد” ! إن ربنا يريدك أن تُفْرِغ وتصرف .. و هو “يبعت غيرة” … “وسواقي الله مملوءة ماء” ( مز 9:65 ) .. كلما أفْرَغْتَ، فإن الله يرسل .. و يرسل .. و يرسل ..

إن كنيستكم هي من أفضل كنائس القطر فى العناية بالفقراء .. و أنا أقولها كشهادة عارف لما يحدث .. إن أكثر الكنائس إنفاقاً على الفقراء هي كنيسة العذراء بأرض الجولف ، و كنيسة العذراء بالزيتون، و كنيسة مارجرجس بهليوبولس …. أعنى أن هذه هى أكثر الكنائس بالقاهرة صرفاً على الفقراء .. أنا أهنئكم بهذا الأمر .. و لكم فى هذا الأمر دعوات كثيرين من الناس الذين يتمتعون بهذه المعونة .. فإنك تجد كنائس إيرادها كله 200 ألف أو 300 ألف فى السنة ، لكنك لا تجد كنيسة مصروفاتها على الفقراء 2 مليون أو مليون ، فهذا شئ نادر .. و لا نقول إنكم أناس حنونون و قلوبكم طيبة ؛ و لأجل هذا فإن ربنا يأتمنكم على النقود..

و نقطة أخرى أيضاً؛ هي ” المستشفى ” .. و قد زرت اليوم المستشفى التابع لكنيستكم ، وأشكر الدكتور أيوب الذي أطلعني على كل الأقسام ، و أشكر الأطباء الذين شرحوا لنا عن كل قسم .. و هذا عمل كبير تقومون به .. و أثناء مروري على الأقسام، لم يخل الأمر من بعض الأطباء الذين يطالبون بشراء أجهزة معينة .. و إن شاء الله ، “ربنا يبعت” و نشترى الأجهزة.

فيما مضى، لم تكن للكنيسة – بصفة عامة – هذه الخدمات المتعددة الواسعة المتنوعة ، وكانت خدماتها مقتصرة على الخدمة الروحية و الوعظ و الاعتراف و الافتقاد و قليل من خدمة الفقراء ؛ لكن حاليا الكنيسة اتسع نطاقها فى الخدمة ( و كنيستكم أيضاً، كما قلت ، كنيسة نامية نمت أيضاً فى نواحي الخدمة ) ، من هذه النواحي : “المستشفيات” .. لم تكن الكنائس فيما مضى تنشئ مستشفيات .. ربما كانت توجد بعض الحالات القليلة فيما مضى، مثل جمعية الإيمان ( و قد كانت جمعية و لم تكن بعد كنيسة مارجرجس بجزيرة بدران ) أيام أبونا جرجس بطرس ، نيح الله نفسه ، و قد كان لهم مستوصف الإيمان و مستشفى الإيمان ، و عندما أصبحت فيما بعد كنيسة ، صار المستشفى تابعاً لها .. أما أن تقوم كنائس ببناء مستشفيات واسعة و ناجحة ، فهذا أمر جديد فى أيامنا، لم يكن موجوداً من قبل .. نشكر ربنا أن أدخلت الكنيسة هذا الأمر فى برامجها.

لدينا من المستشفيات الناجحة جداً : مستشفى كنيسة الزيتون ، و هو مستشفى ناجح يأتيه ناس كثيرون ، مسلمون و مسيحيون .. الجميع ، و مستشفى تكلا هيمانوت بالإسكندرية ، ومستشفى عندكم و مستشفى برسوم العريان فى حلوان ، و مستشفى فى شبرا الخيمة ، وبعض المستشفيات هكذا .. أمر جديد دخل فى خدمات الكنيسة و أنتشر فيها .. و أرجو طبعاً أن يكون فى هذه المستشفيات شئ لربنا.. هي كلها طبعاً لربنا ، لكني أعني ألاّ تدققوا بزيادة على المرضى المتعبين ، لأن الخدمة الطبية هي أولاً و أخيراً خدمة إنسانية لتخفيف آلام الناس ، و شفاء أمراضهم .

المبنى الذي قمتم بإنشائه ، هذه الثمانية ، هذه الثمانية أدوار ، هو عبارة عن مجال لخدمات متعددة جداً : به طابقان للخدمات الطبية ، و به طابق للأمراض المستعصية الذي لمركز الرجاء، و به خدمات أيضاً للشباب ، و به خدمات ثقافية و خدمات متعددة …هذه أيضاً تبين لنا الكنيسة .. فربما البعض كان عندما يرى هذه الأرض و قد بنيت ككنيسة يقول : “الحمد لله .. قد أدينا واجبنا” .. لكن فى النمو الروحي لا يوجد عنصر الاكتفاء ، فالواحد منا يكتفي فى الأمور المادية : ” إن كان لنا قوت و كسوة فلنكتف بهما … لكن فى الأمور الروحية ، لا يوجد مبدأ الاكتفاء .. باستمرار نزيد ..نزيد .. نزيد .. و لهذا فمن الأمور اللطيفة أنهم عندما اشتروا أرض هذا المبنى المكون من 8 طوابق ، لم يكونوا قد استكملوا الكنيسة هنا ، و كان لا يزال عليهم ديون و التزامات .. لكن بالإيمان دخلوا فى شراء أرض جديدة ، و هم لم يكملوا الكنيسة بعد .. نوع من الطموح الروحي و النمو الروحي فى الخدمة.

كما قلت لكم، فإن خدمة الكهنوت قد نمت عندكم .. وقد كنتُ اليوم أُعِدّ مقالاً بسيطاً ليُنشر فى العدد بعد القادم من مجلة الكرازة ، عن الخدمة فى زامبيا .. و أبونا يوحنا و هو يعمَّد الناس السود كباراً و صغاراً .. أمرٌ عجيبٌ جداً و لطيف .. نشاطه كبير جداً .. لم نكن نفكر أن كاهناً فى أفريقيا يصمد هذا الصمود .. و يخدم .. ربما قد تعلم من كنيسة العذراء بأرض الجولف هذا الصمود و هذه الخدمة و هذا النمو!

لو ظللت أتكلم عنكم ، لن أنتهي من الكلام .. كل ما أستطيع أن أقوله : ربنا يبارككم و يبارك خدمتكم..و تتذكرون باستمرار أن الكنيسة هي مجموعة القديسين المؤمنين . فيما مضى ، كان كل مؤمن يعتبر قديساً؛ بولس الرسول يقول : ” سلِّموا على كل قديسى المسيح يسوع ” .. “سلِّموا على القديسين الذين فى أفسس” .. القديسين الذين فى كل الكنائس .. فالكنيسة هي مجموعة من القديسين يعبدون ربنا ، و يعيشون معه ، و يُكَوِّنون أعضاء لجسد المسيح؛ المسيح هو الرأس، و نحن الجسد .. و بالطبع لابدّ للجسد أن يكون خاضعاً للرأس ، و يأخذ أوامره منها؛ المخّ الذي فى الرأس هو الذي يصدر الأوامر لهذه اليد أن تمتد ، و لتلك اليد أن تأتي .. و لكل عضو .. فيكون أعضاء جسد المسيح هؤلاء، هم الأعضاء الذين يدبِِّرهم الرأس التي هي المسيح.. فكما نسمع عن نشاطكم ، نحب أن نسمع عن قداسة حياتكم و سيرتكم ..

و نحن نشكر الذين قاموا بالعمل على خدمتهم ؛ و لست أعرف لماذا فى هذه السنة التى مضت ، افتقدنا ربنا فتنيَّح الدكتور / نبسن مرقس ، و تنيَّح الدكتور / نبيل صبحى.. فى سنة واحدة تقريباً .. و كل منهما قامة فى الخدمة .. الدكتور / نبسن لم يكن فقط يدير القسم الطبي هنا ، بل إنه هو تقريباً الذي قام بترتيب الكنيسة التي فى الأباصيرى . و كان رئيس مجلس إداراتها … أنا أذكر عندما لم يكن لنا كنيسة فى الأباصيرى، و كان يوجد شخص هناك اسمه “عم فانوس” على ما أظن ، و كان إذا رضي عن مدارس الأحد يتركهم يحضرون ، و إذا لم يرض عنهم يطردهم خارجاً/ و الكنيسة اسمها كنيسة عم فانوس ! .. هكذا كان اسمها ! .. وأخيراً، اشترينا منه الأرض .. شيء بسيط .. فالكنيسة بسيطة.. و ابتدأ الدكتور / نبسن يعمل عملاً جيداً فيها .. و رسمنا هناك أبونا شنودة للأباصيرى ، و بدأ عمل كبير فى هذه المنطقة .. حتى أن المكان ، يوماً بعد يوم ، يزداد .. يزداد .. يزداد طبيعة روحانية الخدمة ؛ أنها خدمة نامية .. و يترك نبسن الأباصيرى ، و يترك أرض الجولف و يذهب الى عند ربنا .. و هكذا الدكتور / نبيل صبحى .. نفس الوضع .. ربنا يعوِّض الكنيسة عن هولاء الذين رحلوا، و يعطينا باستمرار خداماً أمناء ، يشتغلون بكل قلبهم ، و كل روحانيتهم ، و كل جهدهم .. و ربنا يكون معكم جميعاً .. و لإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.