أيوب – الأصحَاحُ الثَّانِي عَشَرَ

1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«صَحِيحٌ إِنَّكُمْ أَنْتُمْ شَعْبٌ وَمَعَكُمْ تَمُوتُ الْحِكْمَةُ! 3غَيْرَ أَنَّهُ لِي فَهْمٌ مِثْلَكُمْ. لَسْتُ أَنَا دُونَكُمْ. وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِثْلُ هذِهِ؟ 4رَجُلاً سُخْرَةً لِصَاحِبِهِ صِرْتُ. دَعَا اللهَ فَاسْتَجَابَهُ. سُخْرَةٌ هُوَ الصِّدِّيقُ الْكَامِلُ. 5لِلْمُبْتَلِي هَوَانٌ فِي أَفْكَارِ الْمُطْمَئِنِّ، مُهَيَّأٌ لِمَنْ زَلَّتْ قَدَمُهُ. 6خِيَامُ الْمُخَرِّبِينَ مُسْتَرِيحَةٌ، وَالَّذِينَ يُغِيظُونَ اللهَ مُطْمَئِنُّونَ، الَّذِينَ يَأْتُونَ بِإِلهِهِمْ فِي يَدِهِمْ!

7«فَاسْأَلِ الْبَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ. 8أَوْ كَلِّمِ الأَرْضَ فَتُعَلِّمَكَ، وَيُحَدِّثَكَ سَمَكُ الْبَحْرِ. 9مَنْ لاَ يَعْلَمُ مِنْ كُلِّ هؤُلاَءِ أَنَّ يَدَ الرَّبِّ صَنَعَتْ هذَا؟ 10الَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ الْبَشَرِ. 11أَفَلَيْسَتِ الأُذُنُ تَمْتَحِنُ الأَقْوَالَ، كَمَا أَنَّ الْحَنَكَ يَسْتَطْعِمُ طَعَامَهُ؟ 12عِنْدَ الشَّيْبِ حِكْمَةٌ، وَطُولُ الأَيَّامِ فَهْمٌ.

13«عِنْدَهُ الْحِكْمَةُ وَالْقُدْرَةُ. لَهُ الْمَشُورَةُ وَالْفِطْنَةُ. 14هُوَذَا يَهْدِمُ فَلاَ يُبْنَى. يُغْلِقُ عَلَى إِنْسَانٍ فَلاَ يُفْتَحُ. 15يَمْنَعُ الْمِيَاهَ فَتَيْبَسُ. يُطْلِقُهَا فَتَقْلِبُ الأَرْضَ. 16عِنْدَهُ الْعِزُّ وَالْفَهْمُ. لَهُ الْمُضِلُّ وَالْمُضَلُّ. 17يَذْهَبُ بِالْمُشِيرِينَ أَسْرَى، وَيُحَمِّقُ الْقُضَاةَ. 18يَحُلُّ مَنَاطِقَ الْمُلُوكِ، وَيَشُدُّ أَحْقَاءَهُمْ بِوِثَاق. 19يَذْهَبُ بِالْكَهَنَةِ أَسْرَى، وَيَقْلِبُ الأَقْوِيَاءَ. 20يَقْطَعُ كَلاَمَ الأُمَنَاءِ، وَيَنْزِعُ ذَوْقَ الشُّيُوخِ. 21يُلْقِي هَوَانًا عَلَى الشُّرَفَاءِ، وَيُرْخِي مِنْطَقَةَ الأَشِدَّاءِ. 22يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ مِنَ الظَّلاَمِ، وَيُخْرِجُ ظِلَّ الْمَوْتِ إِلَى النُّورِ. 23يُكَثِّرُ الأُمَمَ ثُمَّ يُبِيدُهَا. يُوَسِّعُ لِلأُمَمِ ثُمَّ يُجْلِيهَا. 24يَنْزِعُ عُقُولَ رُؤَسَاءِ شَعْبِ الأَرْضِ، وَيُضِلُّهُمْ فِي تِيهٍ بِلاَ طَرِيق. 25يَتَلَمَّسُونَ فِي الظَّلاَمِ وَلَيْسَ نُورٌ، وَيُرَنِّحُهُمْ مِثْلَ السَّكْرَانِ.

أيوب – الأصحَاحُ الْحَادِي عَشَرَ

1فَأَجَابَ صُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ وَقَالَ: 2«أَكَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ يُجَاوَبُ، أَمْ رَجُلٌ مِهْذَارٌ يَتَبَرَّرُ؟ 3أَصَلَفُكَ يُفْحِمُ النَّاسَ، أَمْ تَلْغُو وَلَيْسَ مَنْ يُخْزِيكَ؟ 4إِذْ تَقُولُ: تَعْلِيمِي زكِيٌّ، وَأَنَا بَارٌّ فِي عَيْنَيْكَ. 5وَلكِنْ يَا لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ وَيَفْتَحُ شَفَتَيْهِ مَعَكَ، 6وَيُعْلِنُ لَكَ خَفِيَّاتِ الْحِكْمَةِ! إِنَّهَا مُضَاعَفَةُ الْفَهْمِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ اللهَ يُغْرِمُكَ بِأَقَلَّ مِنْ إِثْمِكَ.

7«أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ 8هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟ 9أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ، وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ. 10إِنْ بَطَشَ أَوْ أَغْلَقَ أَوْ جَمَّعَ، فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ 11لأَنَّهُ هُوَ يَعْلَمُ أُنَاسَ السُّوءِ، وَيُبْصِرُ الإِثْمَ، فَهَلْ لاَ يَنْتَبِهُ؟ 12أَمَّا الرَّجُلُ فَفَارِغٌ عَدِيمُ الْفَهْمِ، وَكَجَحْشِ الْفَرَا يُولَدُ الإِنْسَانُ.

13«إِنْ أَعْدَدْتَ أَنْتَ قَلْبَكَ، وَبَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدَيْكَ. 14إِنْ أَبْعَدْتَ الإِثْمَ الَّذِي فِي يَدِكَ، وَلاَ يَسْكُنُ الظُّلْمُ فِي خَيْمَتِكَ، 15حِينَئِذٍ تَرْفَعُ وَجْهَكَ بِلاَ عَيْبٍ، وَتَكُونُ ثَابِتًا وَلاَ تَخَافُ. 16لأَنَّكَ تَنْسَى الْمَشَقَّةَ. كَمِيَاهٍ عَبَرَتْ تَذْكُرُهَا. 17وَفَوْقَ الظَّهِيرَةِ يَقُومُ حَظُّكَ. الظَّلاَمُ يَتَحَوَّلُ صَبَاحًا. 18وَتَطْمَئِنُّ لأَنَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ. تَتَجَسَّسُ حَوْلَكَ وَتَضْطَجِعُ آمِنًا. 19وَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُ، وَيَتَضَرَّعُ إِلَى وَجْهِكَ كَثِيرُونَ. 20أَمَّا عُيُونُ الأَشْرَارِ فَتَتْلَفُ، وَمَنَاصُهُمْ يَبِيدُ، وَرَجَاؤُهُمْ تَسْلِيمُ النَّفْسِ».

أيوب – الأصحَاحُ الْعَاشِرُ

1«قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي. أُسَيِّبُ شَكْوَايَ. أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي 2قَائِلاً ِللهِ: لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي! 3أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ، أَنْ تُرْذِلَ عَمَلَ يَدَيْكَ، وَتُشْرِقَ عَلَى مَشُورَةِ الأَشْرَارِ؟ 4أَلَكَ عَيْنَا بَشَرٍ، أَمْ كَنَظَرِ الإِنْسَانِ تَنْظُرُ؟ 5أَأَيَّامُكَ كَأَيَّامِ الإِنْسَانِ، أَمْ سِنُوكَ كَأَيَّامِ الرَّجُلِ، 6حَتَّى تَبْحَثَ عَنْ إِثْمِي وَتُفَتِّشَ عَلَى خَطِيَّتِي؟ 7فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ.

8«يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا، أَفَتَبْتَلِعُنِي؟ 9اُذْكُرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَالطِّينِ، أَفَتُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ؟ 10أَلَمْ تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ، وَخَثَّرْتَنِي كَالْجُبْنِ؟ 11كَسَوْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا، فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ. 12مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي. 13لكِنَّكَ كَتَمْتَ هذِهِ فِي قَلْبِكَ. عَلِمْتُ أَنَّ هذَا عِنْدَكَ: 14إِنْ أَخْطَأْتُ تُلاَحِظُنِي وَلاَ تُبْرِئُنِي مِنْ إِثْمِي. 15إِنْ أَذْنَبْتُ فَوَيْلٌ لِي، وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أَرْفَعُ رَأْسِي. إِنِّي شَبْعَانُ هَوَانًا وَنَاظِرٌ مَذَلَّتِي. 16وَإِنِ ارْتَفَعَ تَصْطَادُنِي كَأَسَدٍ، ثُمَّ تَعُودُ وَتَتَجَبَّرُ عَلَيَّ. 17تُجَدِّدُ شُهُودَكَ تُجَاهِي، وَتَزِيدُ غَضَبَكَ عَلَيَّ. نُوبٌ وَجَيْشٌ ضِدِّي.

18«فَلِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي مِنَ الرَّحِمِ؟ كُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ الرُّوحَ وَلَمْ تَرَنِي عَيْنٌ! 19فَكُنْتُ كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ، فَأُقَادَ مِنَ الرَّحِمِ إِلَى الْقَبْرِ. 20أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً؟ اتْرُكْ! كُفَّ عَنِّي فَأَتَبَلَّجَ قَلِيلاً، 21قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ وَلاَ أَعُودَ. إِلَى أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، 22أَرْضِ ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ الْمَوْتِ وَبِلاَ تَرْتِيبٍ، وَإِشْرَاقُهَا كَالدُّجَى».

أيوب – الأصحَاحُ التَّاسِعُ

1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«صَحِيحٌ. قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ كَذَا، فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟ 3إِنْ شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ، لاَ يُجِيبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ. 4هُوَ حَكِيمُ الْقَلْبِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ. مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟ 5الْمُزَحْزِحُ الْجِبَالَ وَلاَ تَعْلَمُ، الَّذِي يَقْلِبُهَا فِي غَضَبِهِ. 6الْمُزَعْزِعُ الأَرْضَ مِنْ مَقَرِّهَا، فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا. 7الآمِرُ الشَّمْسَ فَلاَ تُشْرِقُ، وَيَخْتِمُ عَلَى النُّجُومِ. 8الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ، وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ. 9صَانِعُ النَّعْشِ وَالْجَبَّارِ وَالثُّرَيَّا وَمَخَادِعِ الْجَنُوبِ. 10فَاعِلُ عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ، وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ.

11«هُوَذَا يَمُرُّ عَلَيَّ وَلاَ أَرَاهُ، وَيَجْتَازُ فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ. 12إِذَا خَطَفَ فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 13اللهُ لاَ يَرُدُّ غَضَبَهُ. يَنْحَنِي تَحْتَهُ أَعْوَانُ رَهَبَ. 14كَمْ بِالأَقَلِّ أَنَا أُجَاوِبُهُ وَأَخْتَارُ كَلاَمِي مَعَهُ؟ 15لأَنِّي وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أُجَاوِبُ، بَلْ أَسْتَرْحِمُ دَيَّانِي. 16لَوْ دَعَوْتُ فَاسْتَجَابَ لِي، لَمَا آمَنْتُ بِأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتِي. 17ذَاكَ الَّذِي يَسْحَقُنِي بِالْعَاصِفَةِ، وَيُكْثِرُ جُرُوحِي بِلاَ سَبَبٍ. 18لاَ يَدَعُنِي آخُذُ نَفَسِي، وَلكِنْ يُشْبِعُنِي مَرَائِرَ. 19إِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ الْقَوِيِّ، يَقُولُ: هأَنَذَا. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ يَقُولُ: مَنْ يُحَاكِمُنِي؟ 20إِنْ تَبَرَّرْتُ يَحْكُمُ عَلَيَّ فَمِي، وَإِنْ كُنْتُ كَامِلاً يَسْتَذْنِبُنِي. 21«كَامِلٌ أَنَا. لاَ أُبَالِي بِنَفْسِي. رَذَلْتُ حَيَاتِي. 22هِيَ وَاحِدَةٌ. لِذلِكَ قُلْتُ: إِنَّ الْكَامِلَ وَالشِّرِّيرَ هُوَ يُفْنِيهِمَا. 23إِذَا قَتَلَ السَّوْطُ بَغْتَةً، يَسْتَهْزِئُ بِتَجْرِبَةِ الأَبْرِيَاءِ. 24الأَرْضُ مُسَلَّمَةٌ لِيَدِ الشِّرِّيرِ. يُغَشِّي وُجُوهَ قُضَاتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَإِذًا مَنْ؟ 25أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنْ عَدَّاءٍ، تَفِرُّ وَلاَ تَرَى خَيْرًا. 26تَمُرُّ مَعَ سُفُنِ الْبَرْدِيِّ. كَنَسْرٍ يَنْقَضُّ إِلَى قَنَصِهِ. 27إِنْ قُلْتُ: أَنْسَى كُرْبَتِي، أُطْلِقُ وَجْهِي وَأَتَبَلَّجُ، 28أَخَافُ مِنْ كُلِّ أَوْجَاعِي عَالِمًا أَنَّكَ لاَ تُبَرِّئُنِي. 29أَنَا مُسْتَذْنَبٌ، فَلِمَاذَا أَتْعَبُ عَبَثًا؟ 30وَلَوِ اغْتَسَلْتُ فِي الثَّلْجِ، وَنَظَّفْتُ يَدَيَّ بِالإِشْنَانِ، 31فَإِنَّكَ فِي النَّقْعِ تَغْمِسُنِي حَتَّى تَكْرَهَنِي ثِيَابِي. 32لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانًا مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ، فَنَأْتِي جَمِيعًا إِلَى الْمُحَاكَمَةِ. 33لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا. 34لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ. 35إِذًا أَتَكَلَّمُ وَلاَ أَخَافُهُ، لأَنِّي لَسْتُ هكَذَا عِنْدَ نَفْسِي.

أيوب – الأصحَاحُ الثَّامِنُ

1فَأَجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَقَالَ: 2«إِلَى مَتَى تَقُولُ هذَا، وَتَكُونُ أَقْوَالُ فِيكَ رِيحًا شَدِيدَةً؟ 3هَلِ اللهُ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ، أَوِ الْقَدِيرُ يَعْكِسُ الْحَقَّ؟ 4إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ، دَفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مَعْصِيَتِهِمْ. 5فَإِنْ بَكَّرْتَ أَنْتَ إِلَى اللهِ وَتَضَرَّعْتَ إِلَى الْقَدِيرِ، 6إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَكِيًّا مُسْتَقِيمًا، فَإِنَّهُ الآنَ يَتَنَبَّهُ لَكَ وَيُسْلِمُ مَسْكَنَ بِرِّكَ. 7وَإِنْ تَكُنْ أُولاَكَ صَغِيرَةً فَآخِرَتُكَ تَكْثُرُ جِدًّا.

8«اِسْأَلِ الْقُرُونَ الأُولَى وَتَأَكَّدْ مَبَاحِثَ آبَائِهِمْ، 9لأَنَّنَا نَحْنُ مِنْ أَمْسٍ وَلاَ نَعْلَمُ، لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ. 10فَهَلاَّ يُعْلِمُونَكَ؟ يَقُولُونَ لَكَ، وَمِنْ قُلُوبِهِمْ يُخْرِجُونَ أَقْوَالاً قَائِلِينَ: 11هَلْ يَنْمُي الْبَرْدِيُّ فِي غَيْرِ الْغَمِقَةِ، أَوْ تَنْبُتُ الْحَلْفَاءُ بِلاَ مَاءٍ؟ 12وَهُوَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ، يَيْبَسُ قَبْلَ كُلِّ الْعُشْبِ. 13هكَذَا سُبُلُ كُلِّ النَّاسِينَ اللهَ، وَرَجَاءُ الْفَاجِرِ يَخِيبُ، 14فَيَنْقَطِعُ اعْتِمَادُهُ، وَمُتَّكَلُهُ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ! 15يَسْتَنِدُ إِلَى بَيْتِهِ فَلاَ يَثْبُتُ. يَتَمَسَّكُ بِهِ فَلاَ يَقُومُ. 16هُوَ رَطْبٌ تُجَاهَ الشَّمْسِ وَعَلَى جَنَّتِهِ تَنْبُتُ خَرَاعِيبُبهُ. 17وَأُصُولُهُ مُشْتَبِكَةٌ فِي الرُّجْمَةِ، فَتَرَى مَحَلَّ الْحِجَارَةِ. 18إِنِ اقْتَلَعَهُ مِنْ مَكَانِهِ، يَجْحَدُهُ قَائِلاً: مَا رَأَيْتُكَ! 19هذَا هُوَ فَرَحُ طَرِيقِهِ، وَمِنَ التُّرَابِ يَنْبُتُ آخَرُ.

20«هُوَذَا اللهُ لاَ يَرْفُضُ الْكَامِلَ، وَلاَ يَأْخُذُ بِيَدِ فَاعِلِي الشَّرِّ. 21عِنْدَمَا يَمْلأُ فَاكَ ضِحْكًا، وَشَفَتَيْكَ هُتَافًا، 22يَلْبِسُ مُبْغِضُوكَ خَزْيًا، أَمَّا خَيْمَةُ الأَشْرَارِ فَلاَ تَكُونُ».

أيوب – الأصحَاحُ السَّابعُ

1« أَلَيْسَ جِهَادٌ لِلإِنْسَانِ عَلَى الأَرْضِ، وَكَأَيَّامِ الأَجِيرِ أَيَّامُهُ؟ 2كَمَا يَتَشَوَّقُ الْعَبْدُ إِلَى الظِّلِّ، وَكَمَا يَتَرَجَّى الأَجِيرُ أُجْرَتَهُ، 3هكَذَا تَعَيَّنَ لِي أَشْهُرُ سُوءٍ، وَلَيَالِي شَقَاءٍ قُسِمَتْ لِي. 4إِذَا اضْطَجَعْتُ أَقُولُ: مَتَى أَقُومُ؟ اللَّيْلُ يَطُولُ، وَأَشْبَعُ قَلَقًا حَتَّى الصُّبْحِ. 5لَبِسَ لَحْمِيَ الدُّودُ مَعَ مَدَرِ التُّرَابِ. جِلْدِي كَرِشَ وَسَاخَ. 6أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنَ الْوَشِيعَةِ، وَتَنْتَهِي بِغَيْرِ رَجَاءٍ.

7« اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي إِنَّمَا هِيَ رِيحٌ، وَعَيْنِي لاَ تَعُودُ تَرَى خَيْرًا. 8لاَ تَرَانِي عَيْنُ نَاظِرِي. عَيْنَاكَ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَنَا. 9السَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ. 10لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ. 11أَنَا أَيْضًا لاَ أَمْنَعُ فَمِي. أَتَكَلَّمُ بِضِيقِ رُوحِي. أَشْكُو بِمَرَارَةِ نَفْسِي. 12أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ، حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟ 13إِنْ قُلْتُ: فِرَاشِي يُعَزِّينِي، مَضْجَعِي يَنْزِعُ كُرْبَتِي، 14تُرِيعُنِي بِالأَحْلاَمِ، وَتُرْهِبُنِي بِرُؤًى، 15فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ، الْمَوْتَ عَلَى عِظَامِي هذِهِ. 16قَدْ ذُبْتُ. لاَ إِلَى الأَبَدِ أَحْيَا. كُفَّ عَنِّي لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ. 17مَا هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ، وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ؟ 18وَتَتَعَهَّدَهُ كُلَّ صَبَاحٍ، وَكُلَّ لَحْظَةٍ تَمْتَحِنُهُ؟ 19حَتَّى مَتَى لاَ تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلاَ تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ 20أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً؟ 21وَلِمَاذَا لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي، وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي؟ لأَنِّي الآنَ أَضْطَجِعُ فِي التُّرَابِ، تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ».

أيوب – الأصحَاحُ السَّادِسُ

1فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: 2«لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ، وَمَصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي الْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا، 3لأَنَّهَا الآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لَغَا كَلاَمِي. 4لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ وَحُمَتَهَا شَارِبَةٌ رُوحِي. أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي. 5هَلْ يَنْهَقُ الْفَرَا عَلَى الْعُشْبِ، أَوْ يَخُورُ الثَّوْرُ عَلَى عَلَفِهِ؟ 6هَلْ يُؤْكَلُ الْمَسِيخُ بِلاَ مِلْحٍ، أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ الْبَقْلَةِ؟ 7مَاعَافَتْ نَفْسِي أَنْ تَمَسَّهَا، هذِه صَارَتْ مِثْلَ خُبْزِيَ الْكَرِيهِ!

8« يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ اللهُ رَجَائِي! 9أَنْ يَرْضَى اللهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي، وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. 10فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ، لاَ يُشْفِقُ: أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ الْقُدُّوسِ. 11مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ؟ وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ 12هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ الْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ 13أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ مَعُونَتِي، وَالْمُسَاعَدَةُ مَطْرُودَةٌ عَنِّي!

14« حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ. 15أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ الْوُدْيَانِ يَعْبُرُونَ، 16الَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ الْبَرَدِ، وَيَخْتَفِي فِيهَا الْجَلِيدُ. 17إِذَا جَرَتِ انْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا. 18يُعَرِّجُ السَّفْرُ عَنْ طَرِيقِهِمْ، يَدْخُلُونَ التِّيهَ فَيَهْلِكُونَ. 19نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. سَيَّارَةُ سَبَاءٍ رَجَوْهَا. 20خَزُوا فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. 21فَالآنَ قَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ. 22هَلْ قُلْتُ: أَعْطُونِي شَيْئًا، أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ارْشُوا مِنْ أَجْلِي؟ 23أَوْ نَجُّونِي مِنْ يَدِ الْخَصْمِ، أَوْ مِنْ يَدِ الْعُتَاةِ افْدُونِي؟ 24عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ، وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ. 25مَا أَشَدَّ الْكَلاَمَ الْمُسْتَقِيمَ، وَأَمَّا التَّوْبِيخُ مِنْكُمْ فَعَلَى مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ 26هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ، وَكَلاَمُ الْيَائِسِ لِلرِّيحِ؟ 27بَلْ تُلْقُونَ عَلَى الْيَتِيمِ، وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ. 28وَالآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ، فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لاَ أَكْذِبُ. 29اِرْجِعُوا. لاَ يَكُونَنَّ ظُلْمٌ. اِرْجِعُوا أَيْضًا. فِيهِ حَقِّي. 30هَلْ فِي لِسَانِي ظُلْمٌ، أَمْ حَنَكِي لاَ يُمَيِّزُ فَسَادًا؟

أيوب – الأصحَاحُ الْخَامِسُ

1«اُدْعُ الآنَ. فَهَلْ لَكَ مِنْ مُجِيبٍ؟ وَإِلَى أَيِّ الْقِدِّيسِينَ تَلْتَفِتُ؟ 2لأَنَّ الْغَيْظَ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ. 3إِنِّي رَأَيْتُ الْغَبِيَّ يَتَأَصَّلُ وَبَغْتَةً لَعَنْتُ مَرْبِضَهُ. 4بَنُوهُ بَعِيدُونَ عَنِ الأَمْنِ، وَقَدْ تَحَطَّمُوا فِي الْبَابِ وَلاَ مُنْقِذَ. 5الَّذِينَ يَأْكُلُ الْجَوْعَانُ حَصِيدَهُمْ، وَيَأْخُذُهُ حَتَّى مِنَ الشَّوْكِ، وَيَشْتَفُّ الظَّمْآنُ ثَرْوَتَهُمْ. 6إِنَّ الْبَلِيَّةَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ التُّرَابِ، وَالشَّقَاوَةَ لاَ تَنْبُتُ مِنَ الأَرْضِ، 7وَلكِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ.

8« لكِنْ كُنْتُ أَطْلُبُ إِلَى اللهِ، وَعَلَى اللهِ أَجْعَلُ أَمْرِي. 9الْفَاعِلِ عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ. 10الْمُنْزِلِ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَالْمُرْسِلِ الْمِيَاهَ عَلَى الْبَرَارِيِّ. 11الْجَاعِلِ الْمُتَوَاضِعِينَ فِي الْعُلَى، فَيَرْتَفِعُ الْمَحْزُونُونَ إِلَى أَمْنٍ. 12الْمُبْطِلِ أَفْكَارَ الْمُحْتَالِينَ، فَلاَ تُجْرِي أَيْدِيهِمْ قَصْدًا. 13الآخِذِ الْحُكَمَاءَ بِحِيلَتِهِمْ، فَتَتَهَوَّرُ مَشُورَةُ الْمَاكِرِينَ. 14فِي النَّهَارِ يَصْدِمُونَ ظَلاَمًا، وَيَتَلَمَّسُونَ فِي الظَّهِيرَةِ كَمَا فِي اللَّيْلِ. 15الْمُنَجِّيَ الْبَائِسَ مِنَ السَّيْفِ، مِنْ فَمِهِمْ وَمِنْ يَدِ الْقَوِيِّ. 16فَيَكُونُ لِلذَّلِيلِ رَجَاءٌ وَتَسُدُّ الْخَطِيَّةُ فَاهَا.

17« هُوَذَا طُوبَى لِرَجُل يُؤَدِّبُهُ اللهُ. فَلاَ تَرْفُضْ تَأْدِيبَ الْقَدِيرِ. 18لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ. 19فِي سِتِّ شَدَائِدَ يُنَجِّيكَ، وَفِي سَبْعٍ لاَ يَمَسُّكَ سُوءٌ. 20فِي الْجُوعِ يَفْدِيكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَفِي الْحَرْبِ مِنْ حَدِّ السَّيْفِ. 21مِنْ سَوْطِ اللِّسَانِ تُخْتَبَأُ، فَلاَ تَخَافُ مِنَ الْخَرَابِ إِذَا جَاءَ. 22تَضْحَكُ عَلَى الْخَرَابِ وَالْمَحْلِ، وَلاَ تَخْشَى وُحُوشَ الأَرْضِ. 23لأَنَّهُ مَعَ حِجَارَةِ الْحَقْلِ عَهْدُكَ، وَوُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ تُسَالِمُكَ. 24فَتَعْلَمُ أَنَّ خَيْمَتَكَ آمِنَةٌ، وَتَتَعَهَّدُ مَرْبِضَكَ وَلاَ تَفْقِدُ شَيْئًا. 25وَتَعْلَمُ أَنَّ زَرْعَكَ كَثِيرٌ وَذُرِّيَّتَكَ كَعُشْبِ الأَرْضِ. 26تَدْخُلُ الْمَدْفَنَ فِي شَيْخُوخَةٍ، كَرَفْعِ الْكُدْسِ فِي أَوَانِهِ. 27هَا إِنَّ ذَا قَدْ بَحَثْنَا عَنْهُ. كَذَا هُوَ. فَاسْمَعْهُ وَاعْلَمْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ».

أيوب – الأصحَاحُ الرَّابعُ

1فَأجَابَ أَلِيفَازُ التَّيمَانِيُّ وَقَالَ: 2«إِنِ امْتَحَنَ أَحَدٌ كَلِمَةً مَعَكَ، فَهَلْ تَسْتَاءُ؟ وَلكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ الامْتِنَاعَ عَنِ الْكَلاَمِ؟ 3هَا أَنْتَ قَدْ أَرْشَدْتَ كَثِيرِينَ، وَشَدَّدْتَ أَيَادِيَ مُرْتَخِيَةً. 4قَدْ أَقَامَ كَلاَمُكَ الْعَاثِرَ، وَثَبَّتَّ الرُّكَبَ الْمُرْتَعِشَةَ! 5وَالآنَ إِذْ جَاءَ عَلَيْكَ ضَجِرْتَ، إِذْ مَسَّكَ ارْتَعْتَ. 6أَلَيْسَتْ تَقْوَاكَ هِيَ مُعْتَمَدَكَ، وَرَجَاؤُكَ كَمَالَ طُرُقِكَ؟ 7اُذْكُرْ: مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ الْمُسْتَقِيمُونَ؟ 8كَمَا قَدْ رَأَيْتَ: أَنَّ الْحَارِثِينَ إِثْمًا، وَالزَّارِعِينَ شَقَاوَةً يَحْصُدُونَهَا. 9بِنَسَمَةِ اللهِ يَبِيدُونَ، وَبِرِيحِ أَنْفِهِ يَفْنَوْنَ. 10زَمْجَرَةُ الأَسَدِ وَصَوْتُ الزَّئِيرِ وَأَنْيَابُ الأَشْبَالِ تَكَسَّرَتْ. 11اَللَّيْثُ هَالِكٌ لِعَدَمِ الْفَرِيسَةِ، وَأَشْبَالُ اللَّبْوَةِ تَبَدَّدَتْ.

12«ثُمَّ إِلَيَّ تَسَلَّلَتْ كَلِمَةٌ، فَقَبِلَتْ أُذُنِي مِنْهَا رِكْزًا. 13فِي الْهَوَاجِسِ مِنْ رُؤَى اللَّيْلِ، عِنْدَ وُقُوعِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، 14أَصَابَنِي رُعْبٌ وَرَعْدَةٌ، فَرَجَفَتْ كُلَّ عِظَامِي. 15فَمَرَّتْ رُوحٌ عَلَى وَجْهِي، اقْشَعَرَّ شَعْرُ جَسَدِي. 16وَقَفَتْ وَلكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَنْظَرَهَا، شِبْهٌ قُدَّامَ عَيْنَيَّ. سَمِعْتُ صَوْتًا مُنْخَفِضًا: 17أَالإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ اللهِ؟ أَمِ الرَّجُلُ أَطْهَرُ مِنْ خَالِقِهِ؟ 18هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً، 19فَكَمْ بِالْحَرِيِّ سُكَّانُ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ، الَّذِينَ أَسَاسُهُمْ فِي التُّرَابِ، وَيُسْحَقُونَ مِثْلَ الْعُثِّ؟ 20بَيْنَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ يُحَطَّمُونَ. بِدُونِ مُنْتَبِهٍ إِلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُونَ. 21أَمَا انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ طُنُبُهُمْ؟ يَمُوتُونَ بِلاَ حِكْمَةٍ.

أيوب – الأصحَاحُ الثَّالِثُ

1بَعْدَ هذَا فَتَحَ أَيُّوبُ فَاهُ وَسَبَّ يَوْمَهُ، 2وَأَخَذَ أَيُّوبُ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ:

3«لَيْتَهُ هَلَكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَاللَّيْلُ الَّذِي قَالَ: قَدْ حُبِلَ بِرَجُل. 4لِيَكُنْ ذلِكَ الْيَوْمُ ظَلاَمًا. لاَ يَعْتَنِ بِهِ اللهُ مِنْ فَوْقُ، وَلاَ يُشْرِقْ عَلَيْهِ نَهَارٌ. 5لِيَمْلِكْهُ الظَّلاَمُ وَظِلُّ الْمَوْتِ. لِيَحُلَّ عَلَيْهِ سَحَابٌ. لِتَرْعَبْهُ كَاسِفَاتُ ظُلُمَاتُ النَّهَارِ. 6أَمَّا ذلِكَ اللَّيْلُ فَلْيُمْسِكْهُ الدُّجَى، وَلاَ يَفْرَحْ بَيْنَ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَلاَ يَدْخُلَنَّ فِي عَدَدِ الشُّهُورِ. 7هُوَذَا ذلِكَ اللَّيْلُ لِيَكُنْ عَاقِرًا، لاَ يُسْمَعْ فِيهِ هُتَافٌ. 8لِيَلْعَنْهُ لاَعِنُو الْيَوْمِ الْمُسْتَعِدُّونَ لإِيقَاظِ التِّنِّينِ. 9لِتُظْلِمْ نُجُومُ عِشَائِهِ. لِيَنْتَظِرِ النُّورَ وَلاَ يَكُنْ، وَلاَ يَرَ هُدُبَ الصُّبْحِ، 10لأَنَّهُ لَمْ يُغْلِقْ أَبْوَابَ بَطْنِ أُمِّي، وَلَمْ يَسْتُرِ الشَّقَاوَةَ عَنْ عَيْنَيَّ. 11لِمَ لَمْ أَمُتْ مِنَ الرَّحِمِ؟ عِنْدَمَا خَرَجْتُ مِنَ الْبَطْنِ، لِمَ لَمْ أُسْلِمِ الرُّوحَ؟ 12لِمَاذَا أَعَانَتْنِي الرُّكَبُ، وَلِمَ الثُّدِيُّ حَتَّى أَرْضَعَ؟ 13لأَنِّي قَدْ كُنْتُ الآنَ مُضْطَجِعًا سَاكِنًا. حِينَئِذٍ كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحًا 14مَعَ مُلُوكٍ وَمُشِيرِي الأَرْضِ، الَّذِينَ بَنَوْا أَهْرَامًا لأَنْفُسِهِمْ، 15أَوْ مَعَ رُؤَسَاءَ لَهُمْ ذَهَبٌ، الْمَالِئِينَ بُيُوتَهُمْ فِضَّةً، 16أَوْ كَسِقْطٍ مَطْمُورٍ فَلَمْ أَكُنْ، كَأَجِنَّةٍ لَمْ يَرَوْا نُورًا. 17هُنَاكَ يَكُفُّ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الشَّغْبِ، وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُون. 18الأَسْرَى يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعًا، لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ. 19الصَّغِيرُ كَمَا الْكَبِيرُ هُنَاكَ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ.

20«لِمَ يُعْطَى لِشَقِيٍّ نُورٌ، وَحَيَاةٌ لِمُرِّي النَّفْسِ؟ 21الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ وَلَيْسَ هُوَ، وَيَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ الْكُنُوزِ، 22الْمَسْرُورِينَ إِلَى أَنْ يَبْتَهِجُوا، الْفَرِحِينَ عِنْدَمَا يَجِدُونَ قَبْرًا! 23لِرَجُل قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُهُ، وَقَدْ سَيَّجَ اللهُ حَوْلَهُ. 24لأَنَّهُ مِثْلَ خُبْزِي يَأْتِي أَنِينِي، وَمِثْلَ الْمِيَاهِ تَنْسَكِبُ زَفْرَتِي، 25لأَنِّي ارْتِعَابًا ارْتَعَبْتُ فَأَتَانِي، وَالَّذِي فَزِعْتُ مِنْهُ جَاءَ عَلَيَّ. 26لَمْ أَطْمَئِنَّ وَلَمْ أَسْكُنْ وَلَمْ أَسْتَرِحْ، وَقَدْ جَاءَ اَلرُّجْزُ».