Book: سفر الحكمة
سفر الحكمة
سفر الحكمة – الأصحَاحُ التاسع عشر
- اما المنافقون فاستمر عليهم الى الانقضاء غضب لا رحمة معه لانه كان يعلم من قبل ماذا سيكون من امرهم
- وانهم بعد ترخيصهم لهم في الذهاب ومبادرتهم لاطلاقهم يندمون فيجدون في اثرهم
- فانهم قبل ان تنقضي مناحتهم وهم منتحبون على قبور امواتهم عادوا فاتخذوا مشورة جهل اخرى وسعوا في اثار الذين حثوهم على الرحيل سعيهم وراء قوم فارين
- و انما ساقهم الى هذا الاجل امر لا بد منه انساهم ما سبق من الحوادث لكي يستتموا ما بقي من الام عقابهم
- و يعبر شعبك اعجب عبور ويموت اولئك اغرب ميتة
- و كانت جميع الخلائق كل واحدة في جنسها تستبدل طبعها وتخدمك بحسب ما رسم لها لكي يحفظ بنوك بغير ضر
- فالغمام ظلل المحلة ومما كان قبلا يغمر بالمياه برزت ارض يابسة طريق ممهد في البحر الاحمر ومرج اخضر في قعر لجة عظيمة
- هناك عبرت الامة كلها وهم في ستر يدك يرون عجائب الايات
- و رتعوا كالخيل ووثبوا كالحملان مسبحين لك ايها الرب مخلصهم
- متذكرين ما وقع في غربتهم كيف اخرجت الارض الذباب بدلا من نتاج الحيوان وفاض النهر بجم من الضفادع عوض الاسماك
- و اخيرا راوا صنفا جديدا من الطير حين حثتهم شهوتهم ان يتطلبوا طعاما لذيذا
- فصعدت السلوى من البحر تسلية لهم اما الخطاة فنزل عليهم الانتقام مع ما له من العلائم القديمة التي هي شدة الصواعق وانما اصابهم ما استحقت فواحشهم
- اذ كانت معاملتهم للاضياف اشد كراهية فان اولئك ابوا ان يقبلوا غرباء لم يعرفوهم اما هؤلاء فاستعبدوا اضيافا قد احسنوا اليهم
- و فضلا عن ذلك فان عليهم افتقادا اخر اذ ان اولئك انما قبلوا قوما اجنبيين كرها
- اما هؤلاء فانهم قبلوا اضيافا باحتفال وفرح واشركوهم في حقوقهم ثم اساءوا اليهم بصنوف العذاب الشديد
- فضربوا بالعمى مثل اولئك الواقفين على باب الصديق الذين شملتهم ظلمة هائلة فجعل كل منهم يتلمس طالبا مدخل بابه
- اذ تغيرت نسب العناصر بعضها الى بعض كما يتغير في العود اسم صوت من اللحن والصوت باق وذلك بين لمن تامل تلك الحوادث
- فالارضيات تحولت الى مائيات والسابحات سعت على الارض
- و النار كانت لها قوة في الماء اشد من قوتها الغريزية والماء نسي قوته المطفئة
- و بالعكس اللهيب لم يؤذ جسم السريع الفاسد من الحيوان اذ كان يمشي فيه ولم يذب الطعام السماوي السريع الذوبان كالجليد لانك يا رب عظمت شعبك في كل شيء ومجدته ولم تهمله بل كنت مؤازرا له في كل زمان ومكان
سفر الحكمة – الأصحَاحُ الثامن عشر
- اما قديسوك فكان عندهم نور عظيم وكان اولئك يسمعون اصواتهم بغير ان يبصروا اشخاصهم ويغبطونهم على انهم لا يقاسون مثل حالهم
- و يشكرونهم على انهم لا يؤذون الذين قد ظلموهم ويستغفرونهم من معاداتهم لهم
- و بازاء ذلك جعلت لهؤلاء عمود نار دليلا في طريق لم يعرفوه شمسا لتلك الضيافة الكريمة لا اذى بها
- اما اولئك فكان جديرا بهم ان يفقدوا النور ويحبسوا في الظلمة لانهم حبسوا بنيك الذين بهم سيمنح الدهر نور شريعتك الغير الفاني
- و لما ائتمروا ان يقتلوا اطفال القديسين وعرض واحد منهم لذلك ثم خلص عاقبتهم انت باهلاك جمهور اولادهم ثم دمرتهم جميعا في الماء الغامر
- و تلك الليلة قد اخبر بها اباؤنا من قبل لكي تطيب نفوسهم لعلمهم اليقين ما الاقسام التي يثقون بها
- ففاز شعبك بخلاص الصديقين وهلاك الاعداء
- فان الذي عاقبت به المقاومين هو الذي جذبتنا به اليك ومجدتنا
- فان القديسين بني الصالحين كانوا يذبحون خفية ويوجبون على انفسهم شريعة الله هذه ان يشترك القديسون في السراء والضراء على السواء وكانوا يرنمون بتسابيح الاباء
- و قد رفع الاعداء جلبة اصواتهم بالبكاء والنحيب على اطفالهم
- و كان قضاء واحد على العبد والمولى وضربة واحدة نالت الشعب والملك
- و كان لكلهم اجمعين اموات لا يحصون قد ماتوا ميتة واحدة حتى ان الاحياء لم يكفوا لدفن الموتى اذ في لحظة ابيد نسلهم الاعز
- و بعد ان ابوا بسبب السحر ان يؤمنوا بشيء اعترفوا عند هلاك الابكار بان الشعب هو ابن لله
- و حين شمل كل شيء هدوء السكوت وانتصف مسير الليل
- هجمت كلمتك القديرة من السماء من العروش الملكية على ارض الخراب بمنزلة مبارز عنيف
- و سيف صارم يمضي قضاءك المحتوم فوقف وملا كل مكان قتلى وكان راسه في السماء وقدماه على الارض
- حينئذ بلبلتهم بغتة اخيلة الاحلام بلبلة شديدة وغشيتهم اهوال مفاجئة
- و كان كل واحد عند صرعه بين حي وميت يعلن لاي سبب يموت
- لان الاحلام التي اقلقتهم انباتهم بذلك لئلا يهلكوا وهم يجهلون مجلبة هلاكهم
- و الصديقون ايضا مستهم محنة الموت ووقعت الضربة على جم منهم في البرية لكن الغضب لم يلبث طويلا
- لان رجلا لا عيب فيه بادر لحمايتهم فبرز بسلاح خدمته الذي هو الصلاة والتكفير بالبخور وقاوم الغضب وازال النازلة فتبين انه خادمك
- فانتصر على الجمع لا بقوة الجسد ولا باعمال السلاح ولكنه بالكلام كف المعاقب مذكرا الاقسام والعهود للاباء
- فانه اذ كان القتلى يتساقطون جماعات وقف في الوسط فحسم السخط وقطع المسلك الى الاحياء
- لانه كان على ثوبه السابغ العالم كله واسماء الاباء المجيدة منقوشة في اربعة اسطر من الحجارة الكريمة وعظمتك على تاج راسه
- فهذه خضع المهلك لها وهابها وكان مجرد اختبار الغضب قد كفى
سفر الحكمة – الأصحَاحُ السابع عشر
- ان احكامك عظيمة لا يعبر عنها ولذلك ضلت النفوس التي لا تاديب لها
- فانه لما توهم المجرمون انهم يتسلطون على الامة القديسة اذا هم ملقون في اسر الظلمة وقيود الليل الطويل محبوسون تحت سقوفهم منفيون عن العناية الابدية
- و اذ حسبوا انهم مستترون في خطاياهم الخفية فرق بينهم ستر النسيان المظلم وهم في رعب شديد تقلقهم الاخيلة
- و لم تكن الاكنة التي لبثوا فيها لتقيهم من الذعر فقد كانت اصوات قاصفة تدوي من حولهم واشباح مكفهرة تتراى امام وجوههم الكاسفة
- و لم يكن في قوة النار مهما اشتدت ان تاتي بضياء ولا في بريق النجوم ان ينير ذلك الليل المدلهم
- و انما كانت تلمع لهم بغتة نيران مخيفة فيرتعدون من ذلك المنظر المبهم ويتوهمون ما يظهر لهم اهول مما هو
- حينئذ بطلت صناعة السحر وشعوذته وبرز على افتخارهم بالحكمة حجة مخزية
- اذ الذين وعدوا بنفي الجزع والبلبال عن النفس الدنفة هؤلاء ادنفهم خوف مضحك
- فانهم وان لم يصبهم شيء هائل كان مرور الوحوش وفحيح الافاعي يدحرهم فيهلكون من الخوف ويتوقون حتى الهواء الذي لا محيد عنه
- لان الخبث ملازم للجبن فهو يقضي على نفسه بشهادته ولقلق الضمير لا يزال متخيلا الضربات
- فان الخوف انما هو ترك المدد الذي من العقل
- و انتظار المدد من الداخل اضعف ولذلك تحسب مجلبة العذاب المجهولة اشد
- فالذين ناموا تلك النومة في ذلك الليل الذي لا يطاق الوارد من اخادير الجحيم الفظيعة
- كانوا تارة تقتحمهم الاخيلة وتارة تنحل قواهم من انخلاع قلوبهم لما غشيهم من مفاجاة الخوف الغير المتوقع
- ثم حيثما سقط احد بقى محبوسا في سجن لا حديد فيه
- فان كان فلاحا او راعيا او صاحب عمل من اعمال الصحراء اخذ بغتة فوقع في قسر لا انفكاك عنه
- اذ جميعهم كانوا مقيدين بسلسلة واحدة من الظلام فدوي الريح واغاريد الطيور على الاغصان الملتفة وصوت المياه المندفعة بقوة
- و قعقعة الحجارة المتدحرجة وركض الحيوانات الذي لا يرى وزئير الوحوش الضارية والصدى المتردد في بطون الجبال كل ذلك كان يذيبهم من الخوف
- و بينما كان سائر العالم يضيئه نور ساطع ويتعاطى اعماله بغير مانع
- كان اولئك منفردين في ظل ليل مدلهم مشاكل لما سيغشاهم من الظلمة لكنهم كانوا على انفسهم اثقل من الظلمة
سفر الحكمة – الأصحَاحُ السادس عشر
- لذلك كانوا احقاء بان يعاقبوا بامثال هذه ويعذبوا بجم من الحشرات
- اما شعبك فبدلا من ذلك العقاب احسنت اليهم باعداد السلوى ماكلا غريب الطعم اشبعت به شهوتهم
- حتى انه بينما كان اولئك مع جوعهم فاقدي كل شهوة للطعام من كراهة ما بعثت عليهم كان هؤلاء بعد عوز يسير يتناولون ماكلا غريب الطعم
- فانه كان ينبغي لاولئك المقتسرين ان تنزل بهم فاقة لا مناص منها ولهؤلاء ان يروا كيف يعذب اعداؤهم لا غير
- و لما اقتحم هؤلاء حنق الوحوش الهائل واهلكهم لدغ الحيات الخبيثة
- لم يستمر غضبك الى المنتهى بل انما اقلقوا الى حين انذارا لهم ونصبت لهم علامة للخلاص تذكرهم وصية شريعتك
- فكان الملتفت اليها يخلص لا بذلك المنظور بل بك يا مخلص الجميع
- و بذلك اثبت لاعدائنا انك انت المنقذ من كل سوء
- لان اولئك قتلهم لسع الجراد والذباب ولم يوجد لنفوسهم شفاء اذ هم اهل لان يعاقبوا بمثل ذلك
- اما بنوك فلم تقو عليهم انياب التنانين السامة لان رحمتك اقبلت وشفتهم
- و انما نخسوا ليتذكروا اقوالك ثم خلصوا سريعا لئلا يسقطوا في نسيان عميق فيحرموا احسانك
- و ما شفاهم نبت ولا مرهم بل كلمتك يارب التي تشفي الجميع
- لان لك سلطان الحياة والموت فتحدر الى ابواب الجحيم وتصعد
- اما الانسان فيقتل بخبثه لكنه لا يعيد الروح الذي قد خرج ولا يسترجع النفس المقبوضة
- انه ليس احد يستطيع ان يهرب من يدك
- فانك قد جلدت بقوة ذراعك المنافقين الذين جحدوا معرفتك واطلقت في اثرهم سيولا وبردا وامطارا غريبة ونارا اكلة
- و اغرب شيء ان النار كانت في الماء الذي يطفئ كل شيء تزداد حدة لان عناصر العالم تقاتل عن الصديقين
- و كان اللهيب تارة يسكن لئلا يحرق ما ارسل على المنافقين من الحيوان ولكي يبصروا فيعلموا ان قضاء الله على اعقابهم
- و تارة يخرج عن طبع النار فيتاجج في الماء لكي يستاصل انبتة الارض الاثيمة
- اما شعبك فبدلا من ذلك اطعمتهم طعام الملائكة وارسلت لهم من السماء خبزا معدا لا تعب فيه يتضمن كل لذة ويلائم كل ذوق
- لان جوهرك ابدى عذوبتك لبنيك فكان يخدم شهوة المتناول ويتحول الى ما شاء كل واحد
- و كان الثلج والجليد يثبتان في النار ولا يذوبان لكي يعلم كيف اكلت ثمار الاعداء نار تلتهب في البرد وتبرق في المطر
- اما عند هؤلاء فقد تناست القوة التي لها لكي يغتذي القديسون
- اذ الخليقة الخادمة لك انت صانعها تتشدد لتعاقب المجرمين وتتراخى لتحسن الى المتوكلين عليك
- لذلك كانت حينئذ تتحول الى كل شيء لتخدم نعمتك الغاذية الجميع على ما يشاء كل محتاج
- لكي يعلم بنوك الذين احببتهم ايها الرب ان ليس ما تخرج الارض من الثمار هو يغذو الانسان لكن كلمتك هي التي تحفظ المؤمنين بك
- اذ ما لم تكن النار تحله كانت شعاعة يسيرة من الشمس تحميه فيذوب
- حتى يعلم انه يجب ان نسبق الشمس الى شكرك ونحضر امامك عند شروق النور
- لان رجاء من لا شكر له يذوب كجليد شتوي ويذهب كماء لا منفعة فيه
سفر الحكمة – الأصحَاحُ الخامس عشر
- و انت يا الهنا ذو صلاح وصدق طويل الاناة ومدبر الجميع بالرحمة
- فاذا خطئنا فنحن في يدك وقد علمنا قدرتك لكنا لا نختار الخطا لعلمنا بانا من خاصتك
- فان معرفتك هي البر الكامل والعلم بقدرتك هو اصل الحياة الدائمة
- لذلك لم يغونا ما اخترعته صناعة الناس الممقوتة ولا عمل المصورين العقيم من الصور الملطخة بالالوان
- التي في النظر اليها فضيحة للسفهاء بعشقهم صورة تمثال ميت لا روح فيه
- لا جرم ان الذين يصنعونها والذين يعشقونها والذين يعبدونها هم كلفون بالمنكرات وهم اهل لان تكون امالهم في امثال هذه
- ان الخزاف يعني بعجن الطين اللين ويصنع منه كل اناء مما نستخدمه فيصنع من الطين الواحد الانية المستخدمة في الاعمال الطاهرة والمستخدمة في عكس ذلك واما تخصيص كل اناء بواحدة من الخدمتين فانما يرجع الى حكم صانع الطين
- و بعنائه الممقوت يصنع من هذا الطين الها باطلا وهو انما ولد من الطين من حين يسير وعن قليل سيعود الى ما اخذ منه حين يطالب بدين نفسه
- غير ان همه ليس بانه يتعب ولا بانه قريب الاجل لكنه يباري صاغة الذهب والفضة ويعارض النحاسين ويعتد ما يصنعه من الخسائس فخرا
- فقلبه رماد ورجاؤه اخس من التراب وحياته احقر من الطين
- لانه جهل من جبله ونفخ فيه نفسا عاملة وروحا محييا
- بل حسب حياتنا عبثا وعمرنا موسما للاكتساب وزعم انه لا بد من الربح بكل حيلة ولو بالظلم
- فانه عالم بانه اعظم جرما من الجميع لانه يصنع من طين الارض انية قصمة ومنحوتات
- ان جميع اعداء شعبك المتسلطين عليهم هم اجهل الناس واشقى من نفوس الاطفال
- لانهم حسبوا جميع اصنام الامم الهة تلك التي لا تبصر بعيونها ولا تنشق الهواء بانوفها ولا تسمع باذانها ولا تلمس باصابع ايديها وارجلها عاجزة عن الخطو
- لانها انما عملها انسان والذي اعير روحا صنعها وليس في طاقة انسان ان يصنع الها مثله
- و انما هو فان فيصنع بيديه الاثيمتين ما لا حياة فيه فهو افضل من معبوداته اذ هو قد كان حيا واما هي فلم تكن حية البتة
- و هم يعبدون اعدى الحيوان مما هو اشد البهائم عجمة
- و ليس فيه ما في منظر الحيوانات الاخر من الحسن الشائق اذ فاته مدح الله وبركته
سفر الحكمة – الأصحَاحُ الرابع عشر
- و اخر قبل ان يركب البحر ويسير على الامواج المعربدة يستغيث بخشب هو اقصف من المركب الذي يحمله
- لان المركب اخترعه حب الكسب وصنعته الحكمة المهندسة
- لكن عنايتك ايها الاب هي التي تدبره لانك انت الذي فتحت في البحر طريقا وفي الامواج مسلكا امنا
- و بينت انك قادر ان تخلص من كل خطر ولو ركب البحر من يجهل صناعته
- و انت تحب ان لا تكون اعمال حكمتك باطلة فلذلك يودع الناس انفسهم خشبا صغيرا ويقطعون اللجة في سفينة ويخلصون
- و في البدء ايضا حين هلك الجبابرة المتكبرون التجا رجاء العالم الى سفينة وارشدته يديك فابقى للدهر ذرية تتوالد
- فالخشب الذي به يحصل البر هو مبارك
- اما الخشب المصنوع صنما فملعون هو وصانعه اما هذا فلانه عمله واما ذاك فلانه مع كونه فاسدا سمي الها
- فان الله يبغض المنافق ونفاقه على السواء
- فيصيب العقاب المصنوع والصانع
- لذلك ستفتقد اصنام الامم ايضا لانها صارت في خلق الله رجسا ومعثرة لنفوس الناس وفخا لاقدام الجهال
- لان اختراع الاصنام هو اصل الفسق ووجدانها فساد الحياة
- و هي لم تكن في البدء وليست تدوم الى الابد
- لانها انما دخلت العالم بحب الناس للمجد الفارغ ولذلك قد عزم على الغائها عن قريب
- و ذلك ان والدا قد فجع بثكل معجل فصنع تمثالا لابنه الذي خطف سريعا وجعل يعبد ذلك الانسان الميت بمنزلة اله ورسم للذين تحت يده شعائر وذبائح
- ثم على ممر الزمان تاصلت تلك العادة الكفرية فحفظت كشريعة وباوامر الملوك عبدت المنحوتات
- و الذين لم يستطع الناس اكرامهم بمحضرهم لبعد مقامهم صوروا هيئاتهم الغائبة وجعلوا صورة الملك المكرم نصب العيون حرصا على تملقه في الغيبة كانه حاضر
- ثم ان حب الصناع للمباهاة كان داعية للجاهلين الى المبالغة في هذه العبادة
- فانهم رغبة في ارضاء الامر قد افرغوا وسعهم في الصناعة لاخراج الصورة على غاية الكمال
- فاستميل الجمهور ببهجة ذلك المصنوع حتى ان الذي كانوا قبل قليل يكرمونه كانسان عدوه الها
- و بهذا كان اقتناص الخلق فان رزيئة بعض الناس او اقتسار الملوك استعبدهم حتى جعلوا على الحجر والخشب الاسم الذي لا يشرك فيه احد
- ثم لم يكتفوا بضلالهم في معرفة الله لكنهم غاصوا في حرب الجهل الشديدة وهم يسمون مثل هذه الشرور سلاما
- فانهم يمارسون ذبائح من بنيهم وشعائر خفية ومادب جنون على اساليب اخر
- لا يرعون حسن السيرة ولا طهارة الزواج فيقتل الرجل صاحبه بالاغتيال ويمضه بالفاحشة
- شر متفاقم في كل موضع الدم والقتل والسرقة والمكر والفساد والخيانة والفتنة والحنث وقلق الابرار
- و كفران النعمة وتدنس النفوس والتباس المواليد وتشوش الزواج والفسق والعهر
- لان عبادة الاصنام المكروهة هي علة كل شر وابتداؤه وغايته
- فانهم اذا فرحوا جنوا او تنباوا كذبوا او عاملوا ظلموا او حالفوا اسرعوا الى الحنث
- و لتوكلهم على اصنام لا ارواح له لا يتوقعون اذا اقسموا بالزور ان ينالهم الخسران
- فهناك امران يستحقون بهما حلول اعقاب سوء اعتقادهم في الله اذ اتبعوا الاصنام وقسمهم بالظلم والمكر اذا ستخفوا بالقداسة
- لان معصية الظالمين انما يتعقبها القضاء على الخطاة لا قدرة المقسم بهم
سفر الحكمة – الأصحَاحُ الثالث عشر
- ان جميع الذين لم يعرفوا الله هم حمقى من طبعهم لم يقدروا ان يعلموا الكائن من الخيرات المنظورة ولم يتاملوا المصنوعات حتى يعرفوا صانعها
- لكنهم حسبوا النار او الريح او الهواء اللطيف او مدار النجوم او لجة المياه او نيري السماء الهة تسود العالم
- فان كانوا انما اعتقدوا هذه الهة لانهم خلبوا بجمالها فليتعرفوا كم ربها احسن منها اذ الذي خلقها هو مبدا كل جمال
- او لانهم دهشوا من قوتها وفعلها فليتفهموا بها كم منشئها اقوى منها
- فانه بعظم جمال المبروءات يبصر فاطرها على طريق المقايسة
- غير ان لهؤلاء وجها من العذر لعلهم ضلوا في طلبهم لله ورغبتهم في وجدانهم
- اذ هم يبحثون عنه مترددين بين مصنوعاته فيغرهم منظرها لان المنظورات ذات جمال
- مع ذلك ليس لهم من مغفرة
- لانهم ان كانوا قد بلغوا من العلم ان استطاعوا ادراك كنه الدهر فكيف لم يكونوا اسرع ادراكا لرب الدهر
- اما الذين سموا اعمال ايدي الناس الهة الذهب والفضة وما اخترعته الصناعة وتماثيل الحيوان والحجر الحقير مما صنعته يد قديمة فهم اشقياء ورجاؤهم في الاموات
- يقطع نجار شجرة من الغابة طوع العمل ويجردها بحذقه من قشرها كله ثم بحسن صناعته يصنعها الة تصلح لخدمة العيش
- و يستعمل نفايتها وقودا لاعداد طعامه
- ثم ياخذ قطعة من نفايتها لا تصلح لشيء خشبة ذات اعوجاج وعقد ويعتني بنقشها في اوان فراغه ويصورها بخبرة صناعته على شكل انسان
- او يمثل بها حيوان خسيسا ويدهنها بالاسفيداج ويحمر لونها بالزنجفر ويطلي كل لطخة بها
- و يجعل لها مقاما يليق بها ويضعها في الحائط ويوثقها بالحديد
- و يتحفظ عليها ان لا تسقط لعلمه بانها لا تقوم بمعونة نفسها اذ هي تمثال يفتقر الى من يعينه
- ثم يتضرع اليها عن امواله وازواجه وبنيه ولا يخجل ان يخاطب من لا روح له
- فيطلب العافية من السقيم ويسال الميت الحياة ويستغيث بمن هو اعجز شيء عن الاغاثة
- و يتوسل من اجل السفر الى من لا يستطيع المشي ويلتمس النصرة في الكسب والتجارة ونجح المساعي ممن هو اقصر موجود باعا
سفر الحكمة – الأصحَاحُ الثاني عشر
- ان في كل شيء روحك الذي لا فساد فيه
- فبه توبخ الخطاة شيئا فشيئا وفيما يخطاون به تذكرهم وتنذرهم لكي يقلعوا عن الشر ويؤمنوا بك ايها الرب
- فانك ابغضت الذين كانوا قديما سكان ارضك المقدسة
- لاجل اعمالهم الممقوتة لديك من السحر وذبائح الفجور
- اذ كانوا يقتلون اولادهم بغير رحمة وياكلون احشاء الناس ويشربون دماءهم في شعائر عبادتك
- فاثرت ان تهلك بايدي ابائنا اولئك الوالدين قتلة النفوس التي لا نصرة لها
- لكي تكون الارض التي هي اكرم عندك من كل ارض عامرة بابناء الله كما يليق بها
- على انك اشفقت على اولئك ايضا لانهم بشر فبعثت بالزنابير تتقدم عسكرك وتبيدهم شيئا بعد شيء
- لا لانك عجزت عن اخضاع المنافقين للصديقين بالقتال او تدميرهم بمرة بالوحوش الضارية او بامر جازم من عندك
- لكن بعقابهم شيئا فشيئا منحتهم مهلة للتوبة وان لم يخف عليك ان جيلهم شرير وان خبثهم غريزي وافكارهم لا تتغير الى الابد
- لانهم كانوا ذرية ملعونة منذ البدء ولم يكن عفوك عن خطاياهم خوفا من احد
- فانه من يقول ماذا صنعت او يعترض قضاءك ومن يشكوك بهلاك الامم التي خلقتها او يقف بين يديك مخاصما عن اناس مجرمين
- اذ ليس اله الا انت المعتني بالجميع حتى تري انك لا تقضي قضاء الظلم
- و ليس لملك او سلطان ان يطالبك بالذين اهلكتهم
- و اذ انت عادل تدبر الجميع بالعدل وتحسب القضاء على من لا يستوجب العقاب منافيا لقدرتك
- لان قوتك هي مبدا عدلك وبما انك رب الجميع فانت تشفق على الجميع
- و انما تبدي قوتك للذين لا يؤمنون انك على كمال القدرة وتعاقب العلماء على جسارتهم
- لكنك ايها السلطان القدير تحكم بالرفق وتدبرنا باشفاق كثير لان في يدك ان تعمل بقدرة متى شئت
- فعلمت شعبك باعمالك هذه ان الصديق ينبغي ان يكون محبا للناس وجعلت لبنيك رجاء حسنا لانك تمنحهم في خطاياهم مهلة للتوبة
- لانك ان كنت عاقبت اعداء بنيك المستوجبين للموت بمثل هذا التحرز والترفق وجعلت لهم زمانا ومكانا للاقلاع عن الشر
- فباي اعتناء دبرت بنيك الذين واثقت اباءهم بالاقسام والعهود على مواعيدك الصالحة
- فتؤدبنا نحن وتجلد اعداءنا جلدا كثيرا لكي نتذكر حلمك اذا حكمنا وننتظر رحمتك اذا حكم علينا
- لاجل ذلك فالمنافقون الذين عاشوا بالسفه عذبتهم بارجاسهم عينها
- فانهم في ضلالهم تجاوزوا طرق الضلال اذ اتخذوا ما يستحقره اعداؤهم من الحيوان الهة مغترين كاطفال لا يفقهون
- لذلك بعثت عليهم عقاب اولاد لا عقل لهم للسخرية
- و لما لم يتعظوا بتاديب السخرية ذاقوا العقاب اللائق بالله
- و فيما تحملوه بغيظهم وقد راوا ان ما اتخذوه الها كانوا به يعذبون عرفوا الاله الحق الذي كانوا يكفرون به ولذلك حلت بهم خاتمة العقاب
سفر الحكمة – الأصحَاحُ الحادي عشر
- ثم سددت مساعيهم بارشاد نبي قديس
- فساروا في برية لا ساكن بها وضربوا اخبيتهم في ارض قفرة
- و قاوموا محاربيهم ودافعوا اعداءهم
- و في عطشهم دعوا اليك فاعطوا ماء من صخرة الصوان وشفاء لغليلهم من الحجر الجلمود
- فكان الذي عذب به اعداؤهم اذ اعوزهم ما يشربون وبنو اسرائيل متهللون بكثرته
- هو الذي احسن به اليهم في عوزهم
- فانك بلبلت اولئك اذ بدلتهم بمعين النهر الدائم دما صديدا
- عقابا لهم على قضائهم بقتل الاطفال وهؤلاء اعطيتهم ماء غزيرا عند الياس منه
- لكي تريهم بعطشهم هذا كيف عاقبت اضدادهم
- فانهم بامتحانك لهم وان كان تاديب رحمة فهموا كيف كان عذاب المنافقين المقضي عليهم بالغضب
- لانك جربت هؤلاء كاب انذارا لهم واولئك ابتليتهم كملك قاس قضاء عليهم
- و قد مسهم في الغيب من الضر ما مسهم في المشهد
- اذ اخذهم ضعفان من الحزن والنحيب بتذكر الضربات السالفة
- لانهم لما سمعوا ان ما كان لهم عقابا صار لاعدائهم احسانا شعروا بيد الرب
- و الذي قضوا من قبل بطرحه في النهر واستخفوا به ورذلوه استعظموه في اخر الامر اذا كان عطش الصديقين على خلاف عطشهم
- و اذ كانوا قد سفهوا في افكارهم الاثيمة وضلوا حتى عبدوا زحافات حقيرة ووحوشا لا نطق لها انتقمت منهم بان ارسلت عليهم جما من الحيوانات التي لا نطق لها
- لكي يعلموا ان ما خطئ به احد به يعاقب
- و لم يكن صعبا على يدك القادرة على كل شيء التي صنعت العالم من مادة غير مصورة ان تبعث عليهم جما من الادباب او الاسود الباسلة
- او من اصناف جديدة لم تعرف من الوحوش الضارية التي تنفخ نارا او تبعث دخانا قاتما او ترسل من عيونها شرارا مخيفا
- اذا لكانت تهلكهم خوفا من منظرها فضلا عن ان تهشمهم باصابتها
- بل قد كان نفس كافيا لاسقاطهم فيتعقبهم القضاء وروح قدرتك يذريهم لكنك رتبت كل شيء بمقدار وعدد ووزن
- و عندك قدرة عظيمة في كل حين فمن يقاوم قوة ذراعك
- ان العالم كله امامك مثل ما ترجح به كفة الميزان وكنقطة ندى تسقط على الارض عند السحر
- لكنك ترحم الجميع لانك قادر على كل شيء وتتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا
- لانك تحب جميع الاكوان ولا تمقت شيئا مما صنعت فانك لو ابغضت شيئا لم تكونه
- و كيف يبقى شيء لم ترده ام كيف يحفظ ما لست انت داعيا له
انك تشفق على جميع الاكوان لانها لك ايها الرب المحب النفوس
سفر الحكمة – الأصحَاحُ العاشر
- هي التي حفظت اول من جبل ابا للعالم لما خلق وحده
- و انقذته من زلته واتته قوة ليتسلط على الجميع
- و لما ارتد عنها الظالم في غضبه هلك في حنقه الذي كان به قاتل اخيه
- و لما غمر الطوفان الارض بسببه عادت الحكمة فخلصتها بهدايتها للصديق في الة خشب حقيرة
- و هي التي عند اتفاق لفيف الامم على الشر لقيت الصديق وصانته لله بغير وصمة وحفظت احشائه صماء عن ولده
- و هي التي انقذت الصديق من المنافقين الهالكين فهرب من النار الهابطة على المدن الخمس
- و الى الان يشهد بشرهم قفر يسطع منه الدخان ونبات يثمر ثمرا لا ينضج وعمود من ملح قائم تذكارا لنفس لم تؤمن
- و الذين اهملوا الحكمة لم ينحصر ظلمهم لانفسهم بجهلهم الصلاح ولكنهم خلفوا للناس ذكر حماقتهم بحيث لم يستطيعوا كتمانما زلوا فيه
- و اما الذين خدموا الحكمة فانقذتهم من كل نصب
- و هي التي قادت الصديق الهارب من غضب اخيه في سبل مستقيمة وارته ملكوت الله واتته علم القديسين وانجحته في اتعابه واكثرت ثمرات اعماله
- و عند طماعة المستطيلين عليه انتصبت لمعونته واغنته
- و وقته من اعدائه وحمته من الكامنين له واظفرته في القتال الشديد لكي يعلم ان التقوى اقدر من كل شيء
- و هي التي لم تخذل الصديق المبيع بل صانته من الخطيئة ونزلت معه في الجب
- و في القيود لم تفارقه حتى ناولته صوالجة الملك وسلطانا على الذين قسروه وكذبت الذين عابوه واتته مجدا ابديا
- و هي التي انقذت شعبا مقدسا وزرية لا وصمة فيها من امة مضايقيهم
- و حلت نفس عبد للرب وقاومت ملوكا مرهوبين بعجائب وايات
- و جزت القديسين ثواب اتعابهم وقادتهم في طريق عجيب وكانت لهم ظلا في النهار وضياء نجوم في الليل
- و عبرت بهم البحر الاحمر واجازتهم المياه الغزيرة
- اما اعداؤهم فاغرقتهم ثم قذفتهم من عمق الغمار على الشاطئ فسلب الصديقون المنافقين
- و رنموا لاسمك القدوس ايها الرب وحمدوا بقلب واحد يدك الناصرة
لان الحكمة فتحت افواه البكم وجعلت السنة الاطفال تفصح